مرونة «لوبان» في السباق الفرنسي
في الوقت الذي كرس فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقته للحرب في أوكرانيا الشهر الماضي، تجولت مارين لوبان في البلدات والقرى، وتحدثت إلى الناخبين من العمال حول أزمة تكلفة المعيشة. والقوة الشرائية مصدر قلق كبير للناخبين الفرنسيين، خاصة مع تصاعد التضخم في الطاقة والغذاء. وإدراك هذا مبكراً ساعد الزعيمة القومية البالغة من العمر 53 عاماً على توسيع نطاق قاعدة تأييدها في وقت حرج واحتواء المرشح اليميني المتشدد إريك زمور الذي كان يتهددها في ديسمبر الماضي. ومن المرجح الآن أن تبلغ لوبان جولة الإعادة في 24 أبريل ضد ماكرون بعد الجولة الأولى يوم الأحد، 10 أبريل. وتشير استطلاعات الرأي إلى فوز الرئيس، لكن الاستطلاعات اليومية الأخيرة تظهر أن الفجوة تضيق.
ويعتمد فريق ماكرون على فكرة أن الحرب وحالة عدم اليقين تصبان في صالح الرئيس الذي يحتل المنصب بالفعل. لكن هذا الفريق لا يشعر بالراحة من التحدي الذي تشكله لوبان، وفقاً لأحد الوزراء أثناء الحملة الانتخابية. وحذر ماكرون أنصاره في اجتماع في الأيام القليلة الماضية من احتمال حدوث مفاجآت سياسية، مستشهداً بموافقة المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنه «لا يوجد مستحيل».
وتصور لوبان الانتخابات على أنها معركة حامية الوطيس، وتغازل الناخبين الذين يشعرون بأنهم تخلفوا عن الركب على الرغم من وعود ماكرون بتقريب الفجوات في المجتمع. وأنفق الرئيس، البالغ من العمر 44 عاماً، مليارات اليورو في محاولة لاحتواء أسعار الطاقة ومنع احتجاجات الطبقات العاملة الساخطة. لكنّ مستشاري ماكرون يرون أنه يتعين على الرئيس إلحاق هزيمة بلوبان بهامش كبير حتى يحظى بتفويض ملائم للمضي قدماً في تحقيق إصلاحات عميقة، وعبروا عن قلقهم من احتمال ألا يشارك الناخبون إذا اعتقدوا أن النصر مؤكد.
وتظهر استطلاعات الرأي أنه إذا فاز ماكرون، فسيكون بهامش أصغر من المرة السابقة. وأعلنت لوبان في مقابلة في وقت سابق من العام الجاري «لقد فازت أفكارنا بالفعل». وتظهر أحدث استطلاعات الرأي أن ماكرون سيفوز بنسبة 53% مقابل 47% للوبان في جولة الإعادة. وهذه الفجوة البالغة ست نقاط مئوية، بناءً على متوسط جمعته «بلومبيرج»، تقلصت بأكثر من النصف عما كانت عليه قبل شهر. وتحتاج لوبان إلى إقناع ناخبيها الأساسيين، وهم الناخبون الأصغر سناً المحرومون اقتصادياً والذين يميلون غالباً إلى الامتناع عن الخروج والتصويت. كما أنها بحاجة إلى عدم خروج ناخبي يسار الوسط في الجولة الثانية.
ويتوقف الكثير على مدى حسن بلاء لوبان في المناظرات في الأسبوعين بين الجولتين، لكنها أظهرت بالفعل قوتها السياسية. ففي الشتاء الماضي، بدت لوبان وكأنها ستخرج من السباق. وحدث ذلك بعد ظهور زمور- مؤلف غزير الإنتاج، عمره 63 عاماً عوقب ثلاث مرات بسبب خطاب الكراهية- على الساحة السياسية الفرنسية مما أدى إلى انقسام معسكر اليمين المتطرف. لكن في غضون أشهر، بدأ صعوده في استطلاعات الرأي يتراجع مع تلاشي بريق الوافد الجديد.
وجعلت آراء زمور المتطرفة حول الهجرة والإسلام والأمن والمرأة «لوبان» تبدو كما لو أنها أكثر قرباً من التيار الرئيسي، وهو تغيير في الموقع حاولت تحقيقه لسنوات. وتدريجياً، تراجع دعم زمور إلى حوالي 10%.
وترى مارتا لوريميه، الخبيرة في اليمين الفرنسي المتشدد في كلية لندن للاقتصاد أن «إحدى الطرق الملتوية أن يثبت مرشح أكثر تطرفاً ادعاءها بأنها أقل تطرفاً، مما هي عليه في الواقع. لم تتغير (لوبان) كثيراً، جوهرياً. بقي الكثير كما هو. لقد كانت محظوظة، وأثبتت أنها أكثر حنكة سياسية من زمور». والحصول على السلطة هو النتيجة الأفضل للوبان في محاولتها الثالثة للفوز بالرئاسة.
وحتى لو خسرت، فالأداء القوي يشير إلى أن التقدم الثابت لليمين المتطرف نحو «الإليزيه» الذي بدأ في عهد والدها قبل 20 عاماً قد يستمر. وسيعزز ذلك موقعها كقائد للحزب، خاصة إذا عززت النتيجة حزب «التجمع الوطني». ولم تستبعد لوبان السباق مرة أخرى على الرئاسة بعد خمس سنوات.
وهذا سيسمح لها ذلك بالقول «هناك مجال لبديل لماكرون وهذا أنا»، وفقاً لوريميه. واستغرقت «لوبان» عاماً للتعافي من هزيمتها أمام ماكرون عام 2017. وتماسكت واستمدت إلهاماً من فيكتور أوربان، الذي فاز للتو بولاية رابعة على التوالي كرئيس للوزراء في المجر، ومن ماتيو سالفيني في إيطاليا. وغيرت اسم حزبها ليبدو أقل عدوانية، ونفذت استراتيجية مكثفة لتلطيف حدة صورتها، وكشفت قصصها الشخصية عن حياتها كأم عَزباء مع ثلاثة أطفال وعن قططها البنغالية.
وأسقطت خطة لحظر الجنسية المزدوجة- وهي من علامات اليمين المتطرف المميزة- وتنصلت من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد هجومه على أوكرانيا. ويرى روبير مينارد، رئيس بلدية مدينة بيزيرز، أن لوبان «أحرزت تقدماً، وانفتحت على الآخرين، وتستمع إلى النقد». وركزت لوبان على الرعاية الاجتماعية منذ استيلائها على حزب والدها عام 2011، وتقدمت في الأساس بالحركة التي كانت ليبرالية اقتصادياً في الثمانينيات نحو اليسار، مما جذب بشكل متزايد الأشخاص الأقل ثراءً والطبقة العاملة الشابة.
وفي 10 مارس الماضي، قدمت لوبان نفسها على أنها مرشحة «الصغار» ضد «الكبار» في منطقة شمال فرنسا الأفقر، وانتقدت ماكرون «لمنحه كل شيء للشركات الكبرى». ووعدت بخفض أسعار البنزين وبتخفيضات ضريبية على الوقود وفرض ضرائب جديدة على شركات النفط الكبرى، إذا فازت. وعلى عكس هذا، نجد أن برنامج زمور يميل أكثر نحو اليمين. فالمرشح «زمور» يريد أن يتقاعد الفرنسيون في عمر أكبر ويقلص برامج الرعاية الاجتماعية، ويخفض الضرائب على الشركات وأصحاب العقارات.
لكن في نهاية المطاف، سيدعم أنصاره لوبان في جولة الإعادة ضد ماكرون، وفقاً لتحليل أجراه جيل «إيفالدي»، الباحث في معهد الدراسات السياسية في باريس. وكتبت «إيفالدي» في مقال رأي في الآونة الأخيرة، إن لوبان تقامر «من خلال الدفع بقائمة أولويات اجتماعية شعبوية قبل الحرب بفترة طويلة وتعزيز خطابها بعد الغزو. وحتى الآن، تثبت استطلاعات الرأي فيما يبدو أنها على حق».
*صحفية متخصصة في الشأن الفرنسي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»